قصص قصيرة

صراع الأبيض و الأسود

و كما يقولون فالمال لا يغير النفوس كما نعتقد دائما ، بل يكشف عن معدننا فحسب

ذات يوم اتصل بي صديقي المقرب مالك و قال لي بلهفة شديدة

ياسين سوف نستطيع الخروج من الفقر أخيرا سوف نصبح أغنياء و لن نحتاج لأن نكمل الدراسة في قسم برمجة المعلومات ثانية

فتعجبت من ما قاله لي لأنه لم يلق علي التحية حتى !

-و من أين و كيف سوف نصبح أثرياء ؟ أعني أنك لم تعثر على مصباح علاء الدين ، و لم تحصل على صولجان سحري أليس كذلك !؟

فتنهد و أحسست في نبرته جرعة كبيرة من الحماس و أجاب باستعجال شديد

تعال فقط إلى الحديقة العامة في الثامنة مساء أي بعد ثلاث ساعات من الآن و سوف أشرح لك كل شيء بعدها لا تتأخر ، ملاحظة : إنك مرغم على المجيء و إذا لم تأت فسوف آتي إلى منزلكم وأغلق بعدها الخط مباشرة
//pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});

ما الذي حدث لصديقي مالك هل جن فهذا وارد جدا فمن أين لنا أن نصبح أثرياء في مدينة مثل هذه لأنني إن كنت أملك دينارا واحدا فبالتأكيد سيقوم أحد سائقوا السيارات المعتمة بسرقته مني أي أن الإفلاس قد يبدو شيئا جيدا نوعا ما في هذه المدينة

لم أطل التفكير كثيرا ، بل جهزت نفسي على الفور  في الوقت المطلوب ، ببساطة لأن أبي لم يطق مالك أبدا لأسباب لا أعلمها ، لذلك لم أرد منه القدوم إلى منزلنا ، فذهبت بالفعل و كنت في الحديقة أنتظر صديقي مالك إلى أن جاء ذلك الشاب ذو الملامح البلهاء الشاردة ترتسم على وجهه علامات السعادة و الأمل لم يكن مالك متفائلا هكذا من قبل ، فاعتقدت أنه قد فقد عقله تماما ، بالطبع فهذا وارد أيضا في هذه المدينة

فجلس بجواري ووضع يده حول كتفي و ارتسمت على شفتيه ابتسامة ماكرة تدل على أشياء لم أفهمها و همس قائلا
-عزيزي ياسين سنستطيع الزواج أخيرا أجل و سوف نشتري أغلى و أرقى أنواع البضائع و سندخل إلى أرقى المطاعم و نتناول أشهى الأطعمة التي طالما حلمنا بتذوقها و سوف تشتري تلك السيارة التي طالما حلمت بها يا ياسين و ستتزوج من طالبة قسم الفيزياء تلك التي أحببتها سرا ! أجل ستفعل كل ذلك !

“مهلا” لم أصدق بتاتا ما يقوله صديقي مالك لي “فقمت بقرص يدي فآلمتني عندها أدركت بأنه الواقع و ليس مجرد حلم جميل ” ، فقلت له في لهفة

-إذا فلتبهرني يا سيد كوبر (لقبه في الجامعة ) هيا هات ما في جعبتك أسرع و قل لي فأنا أحترق شوقا يا صديقي !

فنظر إلى الأسفل و بدأت قدماه تركل الحصى كطفل في السادسة من عمره ثم قال بهدوء شديد حتى إن صوته كاد يتلاشى و يختفي

-وجدت عملا لنا عند أكبر عائلة في هذه المدينة ، فقد توسط لي صديق تعرفت عليه منذ مدة لكي نقبل معا في هذا العمل !و بمجرد أن نقبل بالوظيفة فسوف نستلم سيارتين جديدتين من نوع راق جدا و بعض المال لنتدبر أمورنا !

-ما هو العمل لا تقل لي إن…

لم يدعني أكمل كلامي بل وثب كالقرد من مكانه وهاج ثم قال بحزم

-أجل لا خيار أمامنا فلم تترك لنا هذه المدينة خيارا آخر ، لم يترك لنا المعلمون في الجامعة خيارا آخر فقد ذقت درعا ، و طفح الكيل ، لن نستطيع التخرج قبل سنتين أو ثلاثة ! و لن نحصل على درهم واحد قبل أن نعمل بهذه الشهادات التي ستمنح لنا ، هذا إن عثرنا على جهة حكومية ترأف بحالنا و أشك في ذلك ، لا نقود ، و الفتاة التي أحبها قد تقدم إليها ابن عمها الثري اللعين و ستتزوج رغما عنها إذا لم أعثر على حل

ياسين لا خيار لنا ! هذا هو العالم ، إنه عبارة عن ماراثون للظفر بالمال

هدء قليلا فجلس مرة أخرى ثم وقف بعدها و أكمل قائلا
-لقد تغير كل شيء ! ، فالعالم يتغير و نحن سنتغير أيضا أليس كذلك ؟
-مالك
-نعم

-يا صديقي العزيز كم من المال تحتاج ؟..خمسة ألاف ، عشرة ؟ سأبيع كل ما لدي لكي تتقدم لخطبة لجين و يمكنك إعادة المبلغ لي بالتقسيط متى تمكنت من ذلك يا صديقي !

فهدأ قليلا و خيم الصمت على الأجواء المشحونة للحظات و بعدها أطلق ضحكة يائسة وأردف
-لن أقبل أي مساعدة منك يا صديقي أعلم جيدا كم أنك شخص وفي و لكنني سأرفض هذا العرض !

عندها لم أتمالك نفسي فقد انفجرت أخيرا كقنبلة موقوتة

-تجارة المخدرات ؟ المخدرات أيها المجنون..

-أخفض صوتك أيها الغبي فلست وحدك في هذه الحديقة
-أأخفض صوتي ها ! لماذا ؟ إذا فهو أمر مشين أيها الملعون
ما الذي جرى لعقلك ؟ أهو سحر أم جنون البقر أيتها البقرة البائسة
//pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});

-أيها الساذج لن نتزوج أبدا إذا لم نخطو هذه الخطوة ، لن تتزوج فتاة الفيزياء التي أحببتها سرا أيها الغبي ! علينا كسر هذا الحاجز و المضي قدما لتحقيق أحلامنا !

-المضي قدما عبر تجارة المخدرات و توزيعه على بشر قاصرين في مقتبل العمر؟ ثم ما الذي يعلمه شخص وضيع مثلك عن الأحلام و الطموحات ؟ قل لي “سأصبح أمهر لاعب شطرنج و سوف أقوم بتأليف أروع كتاب و سأصبح مدرسا في الكلية ” ألم تكن تردد لي هذه الكلمات على مسامعي كلما تحصلت على علامات ضعيفة في الكلية ، أين تلاشى كل ذلك ؟ اللعنة عليك و لا شأن لك بفتاة الفيزياء أو الكيمياء أيها الأهوج ، و لا تحاول ذكر اسمها أبدا لأنني أعرف كيف أتصرف ! لماذا ؟ لأنني ببساطة لست مثلك أعاني خللا دماغيا كالذي تعاني منه أنت الآن
-و ما العمل لقد علمت أنني لن أحرز أي تقدم دون المال ، أجل كل ما أنا بحاجته هو المال فحسب ، القليل منه ! وكل ما كنت أعتقده كان عبارة عن أوهام ، كومة من الأوهام التي لا تفيد في شيء على أرض الواقع

-ساذج و أحمق إذا تحصلت على القليل بهذه الطريقة فإنك سترغب بالمزيد و المزيد حتى تأتي نهايتك الشنيعة على أيدي أولئك الذين تعمل معهم ، إنك كالبيدق بالنسبة لهم سيتم دفعك للأمام بواسطهم رغما عنك حتى تقطع رقبتك ، ثم إنك تبدو كعامل في إحدى المتاجر الخاصة ببيع الهواتف أو ربما الأحذية ، فلك هيئة لطيفة و هذه الأشياء لا تناسبك أبدا، لا يمكنني تخيل أنك ستغدو ممولا للممنوعات في هذه المدينة ! كلا لا يمكنني ذلك يا إلهي ..اللعنة ما الذي حصل معك

فقاطعني وهو يشير بإصبعه السبابة نحوي قائلا

-ياسين إذا لا تريد ؟
– أجل لا أريد.. و هذا رأيي و قراري النهائي و قد قمت بإعطائك النصيحة يا صديقي لكي تتراجع أنت أيضا عن هذه الفكرة المجنونة !
-آسف يا صديقي يمكنك الاحتفاظ بالنصيحة لنفسك ! و لكن ثق بأنك ستجوب الشوارع في المستقبل القريب كالمتسولين و لن تجد أي أحد لتلقي اللوم عليه …سوى نفسك بالتأكيد .. الجميع يبني قصورا في هذه المدينة بنفس الطريقة ، انظر إلى المعلمين و الدكاترة في هذه المدينة ، إنهم أشبه بالمتسولين ، و انظر إلى تجار المخدرات أيضا إنهم يعيشون حياة مرفهة لأبعد الحدود ، إنهم يحصلون على ما يريدون ! ، لقد فكرت في الأمر كثيرا و توصلت لنظرية أن الأشخاص أمثالنا لا يمكنهم العيش في هذه المدينة ، هل تريدني أن أصبح دكتورا في الجامعة أصب جام غضبي على الطلبة لأن راتبي لم ينزل في حسابي بعد ، أو لأنني تشاجرت مع زوجتي لأنها لم تقم بكي القميص لي ؟ اللعنة على الدكاترة إنهم السبب في ذلك ، إنهم يفضلون الطالبات علينا ! و هذا ما جعلني أكره الدراسة أكثر و أكثر
– ليس كل الدكاترة سيئين يا مالك ! ، ففي كل مكان ستجد الأشخاص الجيدين و السيئين ، ثم لا تلق اللوم عليهم ، فلا أحد يجبرك حاليا على سلوك المسار الخاطئ ، ثم إنني أفضل التسول في الشوارع على أن أوزع المخدرات على الأطفال
//pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});

فصمت لبرهة و هو ينظر إلى الأرض ثم نهض و غادر الحديقة

“تحصل مالك في البداية على مبالغ كبيرة من المال كان يتحدث معي قليلا في البداية ثم بعد مدة انقطع التواصل بيننا ، كان مالك يشتري كل ما يريده و كان الجميع يعرف اسمه في المدينة ، أما أنا فقد تمسكت بقراري و هو الاستمرار في مشواري الدراسي ، بعد أربعة سنوات قتل صديقي مالك رميا بالرصاص بينما كان يبيع الممنوعات على الرصيف من قبل جماعة مجهولة “

“بصوت جماعي من بعض طلبة الجامعة ” يا له من مسكين أيها الدكتور ياسين أليس كذلك !
– أجل فقد قرر أن يحقق أحلامه بأي طريقة حتى و لو كانت خاطئة و للأسف فقد دفع ثمن ذلك فمثل هذه الأفعال التي قد فعلها صديقي مالك كالثقب الأسود تماما تجذب صاحبها بلا عودة ليتلاشى و يختفي إلى مكان مجهول، لذلك عليكم الحذر يا أبنائي من سلوك مثل هذه الطرق ف جميعها طرق بلا عودة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى