ملك وكتابة

فى بحر يوسف ادريس

الاعلامى احمد القصبى يسبح فى بحر يوسف ادريس

عندما كنت حياً كانوا كلهم أقزام . . . وعندما رحلت صاروا كلهم عمالقة،
كانت هذه الجملة على لسان الدكتور يوسف إدريس . وهي جملة لم يقلها بالطبع هذا الأديب الكبير ولكنها وردت فى مقال ساخر بعنوان ” بعد خراب البصرة “للكاتب الصحفي والأديب السوري الكبير زكريا تامر . ناعياً حال القصة القصيرة العربية الآن .

كانت مسرحية “المخططين” هي الحلقة الأولى فى مسلسل إعجابي بيوسف إدريس رحمه الله . هذا المسلسل الذي يشبه المسلسلات التركية من حيث عدد الحلقات . حيث لا نهاية لها . كنت طالباً فى السنة النهائية فى كلية التجارة سنة 1997 حيث كنت عضواً فى مسرح الجامعة . وجدت بين أوراق مسرحية المخططين  قلماً يجمع بين الفكر والأدب والصحافة . حينها قررت أن أسبح فى بحر يوسف إدريس وأتعلم السباحة بين قصصه ومسرحياته ورواياته .

ى هذا البحر قابلت أمواج كثيرة من إبداعات الدكتور يوسف إدريس . لكن كانت الموجة الأقوى بعنوان “الرحلة” وهي عنوان قصة قصيرة للدكتور يوسف إدريس فى مجموعته القصصية الرائعة “بيت من لحم” .download (2)

كنت أدرس السيناريو فى المعهد العالي للسينما قسم الدرسات الحرة . والحقيقة كانت قصص يوسف إدريس القصيرة منجماً مليئ بالمعادن الإبداعية من كل صنف ولون .  خاصة بعد انتشار أفلام قصيرة مستقلة مأخوذة عن قصص قصيرة للدكتور يوسف إدريس مثل فيلم “لي لي ” لمروان حامد . و”كرسي الفرعون” لطارق خليل . لذا قررت دخول هذا المنجم لأخرج منه محملاً بالكنوز الثمينة ومنها “أكبر الكبائر” و”الرحلة” .

و”الرحلة” هي قصة قصيرة كتبها يوسف إدريس قبل وفاة الرئيس جمال عبد الناصر بشهرين كاملين – تحديداً فى يوليو 1970 – . حيث تبدأ قصة ” الرحلة ” باستعدادات غريبة لرحلة غير معروفة الجهة من قبل أب وابنه فى سيارة الإبن ، ولكن الغريب في هذه القصة أن الابن فقط هو المحور من حيث السرد والأفعال والكلام حتى بالنيابة عن سائر الشخصيات في القصة ، وتنطلق السيارة بهما والابن لا يتوقف عن الحديث لأبيه ليكتشف القارئ أن الأب كان ميتا ولم يعرف سبب ذلك ، وفي النهاية يترك الابن العربة لأبيه قبرا ويسير هو على أقدامه ؛ إذ لم يعد يطيق رائحته الخانقة في السيارة . ويترك الأب  وحده .

وكنت مثل الكثيرين ممن قرأوا هذه القصة . حيث رأيت أن الأب هو جمال عبد الناصر – من وجهة نظر الدكتور يوسف إدريس – . وحينما قرأت القصة كانت هي الشهور الأخيرة أيضاً فى عمر الرئيس السابق حسني مبارك . ورأيته هو الأب فى “الرحلة” كما رأي يوسف إدريس عبد الناصر فى رحلته . وبدأت فعلاً فى كتابة فيلم قصير مأخوذ عن قصة “الرحلة”  – بعد إجراء تغييرات كثيرة تتناسب مع رحلتي مع مبارك – وعرضته على أستاذي المخرج العظيم علي بدرخان – شديد الإعجاب بأدب يوسف إدريس – حيث تمت مناقشة الفيلم فى إحدى محاضرات علي بدرخان المعهد العالي للسينما . وكانت مفاجأة سارة بالنسبة لي في إعجاب الأستاذ علي بدرخان بهذا الفيلم القصير .

وبرغم كتابتي لفيلم قصير آخر مأخوذ عن قصة للدكتور يوسف إدريس بعنوان ” أكبر الكبائر” . لكن تبقى تجربة “الرحلة” مميزة . حبث عشت تجربة يوسف إدريس ذاتها . حلم يوسف إدريس برحيل ناصر قبل وفاته بشهرين . وأنا أيضاً حلمت نفس الحلم برحيل مبارك قبلها بشهور .

download

وفى النهاية . أتذكر ماقاله الدكتور طه حسين حين صدرت المجموعة القصصية الأولى لإدريس بعنوان “أرخص ليال” عام 1954 : “لم أجد فيه من المتعة والقوة ودقة الحس ورقة الذوق وصدق الملاحظة وبراعة الأداء مثل ما وجدت في كتابه الأول “أرخص ليال”، من تعمق للحياة وفقه لدقائقها وتسجيل صارم لما يحدث

منقول عن هوامش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى