تطوير الذاتطاقة

طاقة السرنديب دكتور صلاح الراشد – الجزء الثانى

قصة سرنديب أخرى:

في سنة التخرج من الجامعة أخبرني المستشار (Advisor) بأن علي أن آخذ أربع مواد في الآداب والإنجليزية لإكمال متطلبات التخرج، فاضطررت للتسجيل في مادتين إنجليزي ومادتين في الخطابة وأخرى في الإقناع لتلبية متطلبات التخرج. في مادة الإقناع كان مطلوباً أن تلقي ستة عروض مقنعة للفصل، وعلى الفصل ومعهم البرفسور أن يناقشك وعليك أن تقنعهم. قدمت أنا شيئاً تقليدياً في اللقاء الثاني أو الثالث. في اللقاء الرابع حضر معنا شاب سعودي. لم أره من قبل ولا أعرفه. قام أمام الفصل وقدم عرضاً مبهراً. كان معه صديقه يساعده وقاما بتكسير الزجاج أمامنا وخلع ملابسه وحذاءه ثم مشى على الزجاج بقدميه الحافيه ونام عليه بظهره المكشوف، ثم قام دون أي أثر عليه.

أنا في ذلك الوقت كنت متديناً (التدين التقليدي) وكان عندي 9 من بين 10 تفسيرات للأشياء الغريبة دائماً هي الجن! وكنت تلقائياً أفسر حدثاً مثل هذا على أنه جن وتلبس وشياطين. لكن كان أيضاً عندي اعتقاد أن هذا الفعل من الاستعانة بالجن يندر في السعوديين، فاحترت، فقلت أسأله بعد الفصل. بعد الانتهاء من المحاضرة تبعت الشاب السعودي وكان يكبرني، فسألته عن هذه القدرة. فنظر إلى بشفقة ثم قال لي: هل تقرأ (يقصد عندك المجالدة على القراءة)؟ قلت: نعم. قال: التقيني غداً أعطيك شيئاً. في الغد ألتقيته. أعطاني كتابين وقال لي: اقرأهما ثم نتحدث بإذن الله. الكتابان كانا Positive Thinking لكاتبين قديمين يتحدثان عن قوة التفكير الإيجابي، والثاني The Power of the Subconscious Mind لجوزيف ميرفي (Murphy). لما قرأت الكتابين صدمت! لم أسمع بحياتي مثل هذا الكلام. وفُتح لي باب عظيم فقرأت آلآف الكتب بعدها في هذا التخصص، وأخذت الدورات، وكتبت مقالات، وأخرجت إصدارات، وقدت حركة التنمية الذاتية في الخليج ثم في الشرق الأوسط، وجلبت العشرات من المدربين العالميين، ودربت مئات من المختصين وغير المختصين والمدربين، وبلغت مبيعات إصداراتنا (الشرعية) أكثر من مليوني إصدار، وبلغت إصداراتنا المجانية أكثر من عشرة مليون قراءة أو سماع أو اقتناء، واستجابت معظم مؤسسات دول الخليج للمخططات التي وضعتها في التنمية والموارد البشرية، وصارت الفنون الحديثة مقبولة بل صارت هي دليل الوعي من عدمه، وفُتحت قنوات فضائية، ومعارض، ومهرجانات، وعالم لم يعد كما كان من قبل خمسة عشر سنة. كل هذا بسبب محاضرة وكتابين وقرار! لم أرى هذا الشخص من قبل ولا رأيته بعدها بتاتاً ولا أعرفه ولم يعد للفصل مرة أخرى بعد هذا العرض. كما لم يعد هذان الكتابان مؤثران اليوم، فهما كتابان في غاية التواضع بمستوى الموجود اليوم في الأسواق. هذه القصة مثال للسرنديب. التسجيل في الفصل اضطراراً من قبل الجامعة، قدوم الشاب السعودي، اعطائي الكتابين، ثم تسلسل الوعي والقراءة والاطلاع .. الخ.

قصة للإمام البخاري:

يُعتقد أن كتاب “صحيح البخاري” الذي سماه “الجامع الصحيح” أصح كتاب لدى المسلمين بعد القرآن الكريم. وهو فعلاً كذلك إذ أنه كتاب يحتوي على أحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم تعتبر مصدراً رئيساً في التشربع وفهم السنة الصحيحة. روى البخاري قصة هذا الكتاب. قال أنه كان في مقتبل العمر جالساً يسمع من الإمام إسحاق بن راهويه، فسمعه يقول: ليت لو جُمعت الأحاديث الصحيحة في كتاب واحد. قال البخاري بأن هذا الكلام وقع في نفسه، فاجتهد على أن يعمل ذلك فعمله! وجود البخاري الذي هو من بخاري (أوزبكستان) في مجلس لإسحاق بن راهويه في العراق يسمع منه، وقول بن راهويه لهذه الكلمة، وسماع البخاري لها، وتأثره وتحمسه، ثم عمل هذا الجهد العظيم سرنديب.

فليمنج وتشرشيل والسرنديب:

عائلة ثرية كانت تقضي الصيف في الريف. تركوا أولادهم يلعبون في بركة السباحة وذهبوا يتمشون في الريف. أحد الأولاد غرق، وصار الأولاد يصرخون. ابن المزراع الموجود في المزرعة، دون تردد، قفز وأنقذ الطفل، ابن العائلة الثرية. بعد أن علم الوالدان الثريان بالقصة جاءا للمزارع لمكافأة ابنه إن شاء، فقال لهم أن ابنه لم يفعل ذلك للحصول على شيء، إنما دفعه حبه الإنساني لذلك. أصر الوالد النبيل على المكافأة. قال له الوالد: إن كنت مصراً فابني يود الدخول للمدرسة للتعلم، وأنا لا يسعني تعليمه. قبل الرجل النبيل تدريسه وفي أفضل مدرسة على حسابه. تعلم الفتى وكان من المتفوقين، ثم دخل كلية الطب وتخرج. مع مرور الأيام أصيب رئيس الوزراء البريطاني آنذاك وينستن تشرتشيل بالأمونيا الشديدة. كان هذا الطبيب د. ألكسنادر فليمنج قد اخترع البنسيلين، فجاءه فحقنه بها فتشافى. قال له تشرتشيل: من شبه المستحيل أن يدين الرجل لأحد بحياته مرتين!! (كان فليمنج الابن هو الذي أنقذ تشرتشيل من الغرق ومن الأمونيا. كان والد تشرتشيل هو الذي وظف أباه ودفع تكلفة دراسته). هذه القصة الحقيقية مليئة بالفوائد والقوانين الكونية (يمكنك أن تكتشف ثلاثة منها)، وفيها هذا السرنديب العجيب لفليمنج وتشرتشيل معاً.

تعريف السرنديب:

مرة أخرى، السرنديب: كلمة أطلقها اعرب على بلاد سيلان (سيرلانكا اليوم)، وهي كلمة موجودة في كل اللغات تقريباً ولا يعرف عامة الناس معناها. ومعناها المبسط هو تسلسل أحداث تقود لحدث كريم أو عظيم أو مطلوب. فقط تخيل لوهلة لو كانت حياتك تمشي بهذه الطريقة!

كيف تعرف طاقة السرنديب؟

إن طاقة السرتديب طاقة سلسة تقودك للتصرف بلطف نحو المرجو، كأنك تمشي مسحوراًِ، غير أن المسحور متعب وأنت تعمل الشيء بتمتع. يحصل، في الغالب، أمر عكس ما كنت ترغب به أو مخطط له، فتمشي في الأمر دون اعتراض، وتضع طاقة متعة فيه، ثم تسير الأمور لحدث مختلف ثم تنتهي بشىء أجمل مما كنت تتمناه أو نخطط له أو هو بالضبط ما رغبت به!

هل يحدث لغالب الناس؟

نعم. يحدث لغالب الناس، لكن بطريقة غير واعية. المشوق أنه يمكنك أن تعمل ذلك بعمد بدلاً من أن تنتظر أن يُعمل لك! غالب الناس ينتظر مناماً عندما ينام أو حلماً عندما يصحو أن يتحقق! البعض يصنع حلمه ومنامه لا ينتظر. لن أسمح بأن يفسر منامي شيخ أو كتاب أو موقع، هذا بله وتفاهة ودليل السذاجة السلبية. هؤلاء الذين يفسرون الأحلام لا يمكن أن يتخيلوا مدى الضرر الذي يتسببون به للأمة والناس. هؤلاء الذين يطلبون تفسير الأحلام أمة بلا أهداف. ضع الحلم وحققه أنت. ضعه في يقظة. استيقظ من المنام!

كيف تسير طاقة السرنديب؟

حتى تصنعه أو تسيّر طاقته تأكد من التالي:

    1. لا تتسرع في الحكم على المواقف التي قد لا تبدو جيدة. صادق القدر. لا تصارع الأحداث فتنشئ طاقة أحداث سلبية متكررة. دع طاقة السرنديب تسري وتعتاد.
    1. اعتمد مبدأ “سلم وثق” (التسليم والثقة). كلما ضاقت الأمور “ظاهرياً” سلم ودع الأمور تسير بطبيعتها. ثق بأن الله سبحانه معك إذا كنت أنت تثق فيه “أنا عند ظن عبدي بي”.
    1. استمع وارتبط وشاهد وصادق من لديهم سرنديب ملحوظ في حياتهم. دع الطاقة تنتقل لك. تأثر بها، آمن بها، غلغلها في نفسك، استمع لقصصها، شاهد أفلاماً وواقعاً يعززها. ارتبط ببيئة إيجابية. ارتبط بأناس يعينوك وتعينهم في توسيع دائرة الإيجاب.
    1. كن لطيفاً في التعامل مع المواقف. بدلاً من الاعتراض والصراخ والنقد والشتم، كن سلساً وسهلاً في التعامل بالذات مع من أعاق معاملة لك أو صعب إجراءً .. الخ. سيّر طاقة اللطافة، فعلها فور الاحساس بأن الطاقة لا تسير في السرنديب.
    1. أطق مشاعر التأنيب و،الخوف. مشاعر التأنيب والخوف عززها فيك الوالدان والأساتذة والمشايخ والدعاة والوعاظ والسياسيون ومذيعو الأخبار والكتاب ..الخ. كلهم كانوا يعملون ضدك (في الغالب بغير قصد طبعاً)من خلال تعزيز هذه المشاعر المؤذية. أطلق مشاعر التأنيب لأي ماضي مها كان، ومشاعر الخوف لأي مستقبل مهما بدى. أفعل ذلك طوال الوقت، وأسرع تمرين لعمل ذلك هو أن ترجع للحظة.
    1. ثق بنفسك. نادراً أن تجد في الحياة من هم يقوون ثقتك بنفسك. ثق بنفسك واستلهم قوتك واسترجع قدراتك واستعن بربك. إن الثقة بالنفس مفتاح تسيير الطاقات، وكل القوى التي حولك مجتهدة في تحبيط هذه القوة.
    1. أطلق الطاقة السلبية من داخلك. قم بالمشي، بالرياضة، بالسباحة، بالتعبير بطريقة معينة. أطلق ما في داخلك من طاقة سلبية ودعها تتبخر في الجو. ارتبط بالطبيعة: بحر، نهر، جبل، صحراء، خضرة ..
  1. أعط التوقعات والطموحات الضاغطة استراحة. أن ترغب فهذا جميل بل وقمة في الجمال، أياً كان ما تطلبه، لكن أن تضغط على نفسك وتقلق لتحقيق هذا الذي تريد فهذا سفه وقلة احترام لذاتك وللقدر! ارغب وعش الرغبة بجمالها. أحياناً توقع الشيء والعيش فيه أجمل من تحقيق الشيء نفسه.

سُئل ملا نصرالدين عن خياره لو كان له الخيار في اختيار أي دين؟ أجاب ملا نصرالدين: أكون مسلماً. قالوا له: أنت الآن مسلم؟ قال: أنا الآن مستسلم وفرق بين المستسلم والمسلم!

في الفصل الثامن في المنهج التأسيسي لنادي جوي12 ناقشت السرنديب بتفاصيل مع الأمثلة والتطبيقات والتمارين .. تابعه وتدارسه هناك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى